تقرير خاص – شبكة يافا الإخبارية | بعد أن طالت الاغتيالات الإسرائيلية العشرات من كبار قادة حركة "حماس"، أصبح القرار داخل الحركة الفلسطينية أكثر تعقيداً وأقل مركزية، مما فرض واقعاً تنظيمياً جديداً عنوانه "اللامركزية تحت النار".
فمنذ مقتل قائدها البارز يحيى السنوار في رفح في أكتوبر 2024، تعيش "حماس" في قطاع غزة حالة فراغ قيادي غير مسبوقة، دفعت الحركة إلى إعادة تشكيل بنيتها التنظيمية، وتكليف خليل الحية، نائب السنوار، برئاسة المكتب السياسي في غزة، في محاولة لاحتواء الأزمة.
لكن الحية، الموجود خارج القطاع، واجه تحديات جسيمة في إعادة ترتيب الصفوف، لا سيما بعد استهداف شخصيات بارزة مثل محمد الجماصي، وياسر حرب، وعصام الدعاليس. ومع انهيار الهدنة المؤقتة واستئناف إسرائيل لعملياتها العسكرية، واصلت الاغتيالات ضرب مفاصل القرار داخل الحركة، لتدفعها إلى الاعتماد على صيغة طارئة: "المجلس القيادي".
مجلس الضرورة
تشكَّل "المجلس القيادي" نتيجة اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في طهران، وخليفته السنوار بعده بشهور. ويضم المجلس رؤساء الأقاليم الثلاثة (غزة، الضفة، والخارج) إلى جانب قيادات قليلة نجت من الاستهداف، ويترأسه محمد درويش، خلفاً لأسامة المزيني الذي اغتيل في أكتوبر 2023.
وبينما كان المكتب السياسي سابقاً هو صاحب الكلمة العليا في صناعة القرار، بات "المجلس القيادي" اليوم هو المرجعية الأساسية، متخذاً قراراته بالإجماع، مع صعوبة دائمة في التواصل مع قيادات الداخل بسبب الضربات المستمرة.
الراتب... رهينة الاغتيال
الفراغ الإداري امتد إلى الجوانب الخدمية والتنظيمية، إذ تسبب تأخر اتخاذ القرار في تعطيل صرف رواتب الموظفين الحكوميين التابعين لـ"حماس"، فيما حصل عناصر الحركة على 60% فقط من رواتبهم خلال عيد الفطر، نتيجة غياب من يشرفون على عمليات الصرف.
"السنوار الصامت"… يقود من الظل
ورغم الاستنزاف المستمر، فإن مصادر الحركة تؤكد أن القائد العسكري محمد السنوار – شقيق يحيى السنوار – بات اليوم عنصراً مركزياً في منظومة اتخاذ القرار، خصوصاً فيما يتعلق بـ"كتائب القسام" وملف الأسرى الإسرائيليين. وتشير المصادر إلى أن السنوار يمسك بخيوط القيادة العسكرية إلى جانب المجلس، بعد اغتيال محمد الضيف ومروان عيسى.
لكن القرار المصيري، بحسب نفس المصادر، لا يُتخذ بشكل منفرد، بل يخضع لموافقة جماعية من أعضاء "المجلس القيادي"، والمكتب السياسي، وبالتنسيق مع "القسام".
مفاوضات بطيئة... واتصالات مؤجلة
تؤكد المصادر أن تعذُّر التواصل السريع مع الداخل، بسبب المخاطر الأمنية والملاحقات، يبطئ أحياناً من استجابة الحركة لجهود الوسطاء في مفاوضات التهدئة، لكنها شددت على أن إسرائيل هي من يعرقل التوصل لأي اتفاق، بغض النظر عن تجاوب "حماس".
خلاصة المشهد:
"حماس" اليوم ليست كما كانت قبل الحرب. اغتيالات دقيقة ومركزة أجبرت الحركة على التخلي مؤقتاً عن مؤسساتها التقليدية، والانتقال إلى إدارة جماعية محاطة بالمخاطر. إنها حركة تتنفس عبر "أنابيب طوارئ"، وتحاول البقاء على قيد القرار... تحت النار.